الحسين بنزهرة
*******
" الفـــــــــأرة
والشاعر "
بقلم : الحسيـــــن بنزهرة
الآن أيها الليل يمكن أن أبكي، فلك ألف شكر لأنك ممدت جناح
الظلام.الآن أيها الليل يمكن أن أنوح ، فلك ألف حمد لأنك أبكمت الأصوات، وجعلت
الصمت أذنا تسمع تنهداتي وآهاتي.الآن أيها الليل يمكن أن أعتبر حياتي ، فلك ألف
محبة لأنك خلقت في نفسي هذه المشاعر ، مشاعر الوحدة والغربة والضياع.الآن أيها
الليل يمكن أن أسكر بخمر عذابي ، فلك ألف ود لأنك عمقت حفر جراحي ، وغرست أنياب الزمن
في عظامي.الآن أيها الليل يمكن أن أكتب مأساة ضميري ، فلك ألف تقدير لأنك تواضعت ،
ومددت لي يد العون ، ومن للأشقياء غير الأشقياء!وأنتم أيها الناس ، أليس منكم من
يحب الليل ، أم أنا وحدي الشاذ من جنس البشر.أليس فيكم من يحب صمت الليل وظلامه ،
أم أنا وحدي من يبتهل لسكوته وهدوئه ، ويخشع لمجيئ دجاه وديجوره. يا
إيها الناس ، قد أعلني كر السنون ، وذهاب الليل والنهار ، فتعالوا أقص عليكم بعض
ما حصلت من تجارب ، وهي تجارب قلب شاعر ، وعقل مفكر. إن الليل هو الصديق الوفي ،
وهو الرفيق البر ، فلست تعدم منه عزاء ولا مواساة ، فضرع له وإليه متى شيبت
الحوادث كبدك.بالأمس ، وما أبعده من أمس وما أقربه ، أطار مني النعاس وجع وجدته في
صدري ، فقمت أعالج نفسي ببعض أدوية الصدر ، تلك الأدوية التي كتبها الإقتصاد على
البؤساء، كتبها بثمن يزيد على مرض الأعضاء مرض الجيوب.تناولت دوائي ، وشعرت بخفة
من مرضي ، فحمدت الله على بركة النية لا على فاعلية الدواء ، وسرت بنفسي أو سارت
بي نفسي نحو مكتبي ، وهي عادة ألفتها منذ كنت صغيرا؛ فهاجت مشاعر الشاعرية في نفسي
، ودفعتني دوافع الماضي أن أكتب ، فغلب الطبع على التطبع ، ووجدتني مجذوبا نحو
القلم جذبا ، وللورق مغنطيس قوي يجر نفسي متى رأيته ، وكأن نفسي جنس من الورق
الكوني ، وحملت اليراع بين أصابعي ، وحلقت بفكري إلى الخيال ، أريد أن أشكل آيات
من الأدب ، وقد أخترت موضوع " المرض"؛ لما بين هذا الموضوع وبيني من
مناسبة الحال ، وشرعت أكتب ما يوحى إلي ، وخططت بعض السطور ، وفجأة رأيت قبالتي
فأرا ينظرني ، وكان منظره بلاغة أخرى ، لعلها بلاغة الطبيعة ، أو لعلها طبيعة
البلاغة ،فقد كان صورة أدبية فريدة ، فلم يكن خائفا ولا راجفا ، بل كان ينظر إلي
نظر الأنيس إلى من يأنسه ، فجالت الأفكار في رأسي الصغير، وجالت عيناه في جسمي
الكبير ، وهممت بطرده لأنه صرفني عن شغلي ، غير أن نفسي لم تطاوعني ، وكأن مافي
نفسي أنس بهذا الفأر؛لاسيما أني لوحدي هذه الليلة ، فقد بقيت بمفردي في القنيطرة ،
وتواشجت روابط المحبة بيني وبينه ، وتمتنت الألفة بينه وبيني ، ولكن العجب الذي لا
ينقضي عجبه ، هو أن الفأر تقدم نحو مكتبي ، وصعد رويدا رويدا إلي حتى قارب القلم
والورقة ، ونظرني بعين ناعسة بائسة ، ونزلت دموعه تباعا ، ولم أر فأرا يبكي أبدا
في حياتي ، وكأنه والله أراد أن يكتب بدمعه بعض ألمه ، ومن يدري لعله أدرك أني
كاتب ، فقدم لي من نفسه وحاله موضوعا لأكتب ، وقلت في نفسي: حمدا لمن جعل الدمع
لغة مشتركة ، فلو بكت الحجرة في قنة جبل ، لحزنت لها حجرة في بطن واد ، وهي الدموع
ما أبلغ منطقها!وأنا خاشع في منظر هذا الفأر ، متأمل حاله الشاذ ، إذا بصوت يكسر
هدوء الصمت؛ ويخرج نفسي من حالة إلى حالة ، وكأن الصوت والصمت نوع من الإحساس، أو
هما إحساس يسكن النفس ، وتسكن النفس وترتج بهما.(نهيز)جائني هذا الصوت كأنه نواح
أمرأة ثكلى ، أو أنين جماعة معذبة ، فذهب بصري حيث قاده سمعي، فإذا الصوت نهيز
فئران صغيرة ،كانت عارية حمراء ،لها منظر إذا لم يبكي العين فهو يغرغرها ، وإذا لم
يمزق القلب فهو يحركه ، ونظرت إلى الفأر الذي فوق مكتبي ، فسالت منه دموع غزيرة ،
وأخبرتني الدموع بألم يتوارى وراء الضلوع. ، فهذه الفأرة أم للفئران وقد جاع
صغراها، وخرجت تطلب لهم سبل العيش: أي خرجت تطلب الموت لها فداء لعيشهم.وااه لك
أيتها الفئران المسكينة ، وااه لك أيتها الفئران الحزينة ، من الذي يقيم بطنك الذي
قميته الجوع ، ، ومن الذي ينهض بك في عالم كله ساقط.
ولم يكن في بيتي رزق أطعهما إياه ، وليس في جيبي دراهم لأقتات خبزا ،فقد يمضي علي أيام لا آكل ، وقد يمضي علي أيام لا أعرف طعم اللحم والسمك والبيض ، فمن أين لي إطعام هذه الحيوانات الضعيفة.؟
الآن أيها الليل يمكن أن أنوح؛ فليس فيك إلا ثاكل أو حزين، فلك ألف شكر لأنك تواسي المحزون ، وتسلي عن المهموم.الآن أيها الليل يمكن أن أدرف عبراتي ، فأهلك قطع منك ، وأهلك ضمرت بطونهم من ألم الجوع، فلك ألف رحمة لأنك تشبع الجوعى ، تشبعهم بصمتك اللذيذ. وظلامك الموحش المخيف.الآن أيها الليل يمكن أن أسح دموعي ، فلا يبكي إلا من شاب كبده ، فلك ألف محبة لأنك تشمل البؤساء وتغطي ضلوعهم بدجاك....وكانت الفأرة تنظر الأواني المكفية على الأرض ، وتنظرني وتنظر صغارها ، وما من شك أن هذه المخلوقة أخطأت الباب ، فأنا طالب جامعي ليس لي خبز ، ولا زيت. ، ولا قطع جبن ولا ... مما تقثات به البطون الغنية.ولقد والله رأيت العجب الذي لا ينقضي منه العجب ، فهاهي الفأرة تنزل من على سطح المكتب ، وتذهب وسط صغارها ، وكأنها أدركت أن الشقي لا يعين الشقي بل يسليه ، وذهبت تجر ذيلها كسيرة ، وصغارها ورائها يمشون مشي الثكلى ، حتى وراهم الظلام وأكل أجسادهم .
ولم يكن في بيتي رزق أطعهما إياه ، وليس في جيبي دراهم لأقتات خبزا ،فقد يمضي علي أيام لا آكل ، وقد يمضي علي أيام لا أعرف طعم اللحم والسمك والبيض ، فمن أين لي إطعام هذه الحيوانات الضعيفة.؟
الآن أيها الليل يمكن أن أنوح؛ فليس فيك إلا ثاكل أو حزين، فلك ألف شكر لأنك تواسي المحزون ، وتسلي عن المهموم.الآن أيها الليل يمكن أن أدرف عبراتي ، فأهلك قطع منك ، وأهلك ضمرت بطونهم من ألم الجوع، فلك ألف رحمة لأنك تشبع الجوعى ، تشبعهم بصمتك اللذيذ. وظلامك الموحش المخيف.الآن أيها الليل يمكن أن أسح دموعي ، فلا يبكي إلا من شاب كبده ، فلك ألف محبة لأنك تشمل البؤساء وتغطي ضلوعهم بدجاك....وكانت الفأرة تنظر الأواني المكفية على الأرض ، وتنظرني وتنظر صغارها ، وما من شك أن هذه المخلوقة أخطأت الباب ، فأنا طالب جامعي ليس لي خبز ، ولا زيت. ، ولا قطع جبن ولا ... مما تقثات به البطون الغنية.ولقد والله رأيت العجب الذي لا ينقضي منه العجب ، فهاهي الفأرة تنزل من على سطح المكتب ، وتذهب وسط صغارها ، وكأنها أدركت أن الشقي لا يعين الشقي بل يسليه ، وذهبت تجر ذيلها كسيرة ، وصغارها ورائها يمشون مشي الثكلى ، حتى وراهم الظلام وأكل أجسادهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق